إثر كارثة انفجار مرفأ بيروت هبّ أصدقاء لبنان لمساعدته في محنته الكبيرة، ومن بين هؤلاء الأصدقاء لفتت العراق الأنظار، بعد أن أرسلت وفداً دبلوماسياً رفيع المستوى يرأسه وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار ممثلاً رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بالإضافة إلى كادر طبي متخصص من ١٥ طبيباً. وحمل الوفد معه ٢٠ طناً من المساعدات الطبية، وما يقارب 800 ألف ليتراً من الغاز أويل كهدية للبنان.
الصحافي العراقي أمين ناصر قال لـ “أحوال” إنّه من الطبيعي جداً أن تقف العراق إلى جانب بلدها الشقيق لبنان في كارثة كانفجار مرفأ بيروت، وتقديم المساعدة له بأيّ طريقة ممكنة، مضيفأً أنّ جمهورية بلده اختارت تقديم هبة بما يقارب المليون ليتراً من الغاز أويل الذي يحتاجه لبنان بشدة. وأشار ناصر إلى زيارة لدبلوماسيين عراقيين حصلت منذ عدة أشهر ترأسّها وزير النفط العراقي يرافقه وزير الزراعة والتجارة، للبحث بشأن تأمين احتياجات لبنان النفطية من العراق مقابل منتجات زراعية لبنانية وصناعات طبية. “إلاّ أنّ هذا المشروع لم يُكتب له النجاح، نقلاً عن وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر: بسبب وجود عرقلات وعوائق لبنانية.” وأردف ناصر أنّها ليست المرة الأولى التي تحاول فيها العراق تأسيس علاقة نفطية وشراكة بينها وبين لبنان، مستطرداً “في عام 2005 التقى الرئيس العراقي آنذاك الرئيس الشهيد رفيق الحريري للاتفاق على مدّ أنبوب بترول من العراق وصولاً إلى شمال لبنان، المشروع الذي لم يُكتب به النجاح بسبب اغتيال الحريري والأحداث التي تلت في لبنان والمنطقة. واعتبر ناصر أنّ الهبة العراقية ستساعد اللبنانيين كثيراً إن تمّ توظيفها بالطريقة الصحيحة، تحديداً في مجال التغذية الكهربائية.
لماذا يعاني اللبنانيون اليوم من تقنين قاسٍ في الكهرباء؟
الخبير الإقتصادي د.عماد عكوش اعتبر في حديث لـ “أحوال” أنّ هناك عدة أسباب لأزمة الكهرباء في لبنان، فمثلاً موجة الحرّ التي تضرب لبنان هذه الفترة تسبب طلباً زائداً على الطاقة، وهذا يستدعي إنتاج طاقة كبير، فيما لا قدرة على المعامل الموجودة حالياً على إنتاجها. ومن ناحية أخرى، تعاني كهرباء لبنان من أزمة فتح الاعتمادات الخاصة للفيول، بسبب أزمة السيولة النقدية وعدم توفر العملة الصعبة.
وأكد عكوش، أنّه اذا كان كلام المصرف المركزي حول عدم قدرته على تأمين العملة الصعبة بعد شهرين ونصف صحيحاً، فإنّ هذا حكماً يعني الظلام الشامل، “حيث أنّ عدم تأمين اعتمادات المحروقات يعني أنّ مؤسسة كهرباء لبنان هي مؤسسة غير منتجة.”
ولفت الخبير الاقتصادي أنّ الحلول أصبحت صعبة جداً بالفترة الضيقة المتبقية، مردفاً “أنّه لو بدأنا بطريق الحل قبل بداية الدعم من ثمانية أشهر، كان ممكناً وقف نزيف العملة الصعبة، وكان ممكناً أن يكفينا الاحتياط لسنتين او ثلاثة، ولكن للأسف حاكم مصرف لبنان ذهب بإتجاه إفلاس مصرف لبنان من احتياط العملات الصعبة عبر دعم التجار”، الأمر الذي أكده وزير الإقتصاد بالأمس بأنّ المستفيد الأكبر من عملية دعم السلع هم التجار.
ورأى عكوش أنّ لبنان استنفذ احتياط مصرفه المركزي بأرقام كبيرة، فبشهر آب وحدة، استنفذ لبنان بأول ١٥ يوما 712 مليون دولار، وبالنصف الثاني من الشهر استنفذ مليار وخمسماية مليون وإحدى عشر دولاراً من إحتياط العملات الصعبة، “وبالتالي وصلنا إلى نقطة الصفر من الاحتياط الإلزامي، وهذا يعني أنّ مصرف لبنان لن يستطيع فتح اعتمادات للمواد بعد إستنزاف احتياطه.”
وأكد عكوش أنّه إذا أوقف مصرف لبنان عملية التمويل، هذا يعني حكماً أنّ الاستيراد سيكون بالاعتماد على السوق السوداء، التي يتراوح دولارها اليوم بين 7000 – 7500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، ممّا يعني ارتفاع أسعار المحروقات، وهذا طبعاً يؤدي إلى رفع أسعار المواد بنسبة ثلاث أو أربعة أضعاف سعرها الحالي، الأمر نفسه ينطبق على المواد المدعومة الأخرى مثل الدواء والطحين إذا أوقف لبنان عملية التمويل.
ورأى عكوش أنّ فاتحة الطريق أمام الحلّ هو أن يقرّ المجلس النيابي قوانين تشريعية جديدة تضمن أمان الودائع الجديدة، وبالتالي جذب الأموال والدولارات الموجودة في المنازل، والتي تقدّر قيمتها بحوالي 5 مليار دولار، مستطرداً “إذا استطاعت الدولة تأمين الضمانة لأصحابها، ممكن أن يردّوا لو جزءاً منها، فإذا ردّوا مثلا 20% ، نتكلم هنا عن ما يقارب المليار دولار، هذا الأمر ممكن تحقيقه بسهولة خلال قانون في مجلس النواب يؤمّن ويضمن الودائع الجديدة بالعملة والقيمة.
بالمقابل، لفت عكوش أنّه اذا استنفذنا العملات الصعبة ووصلنا إلى الاحتياط الإلزامي، فيمكن لمجلس النواب تعديل قانون النقد والتسليف وتحديد قيمة جديدة للاحتياط الإلزامي، أو يمكن لمصرف لبنان، ومن خلال التعاميم التي يصدرها، إقرار هذا التعديل، وبالتالي استعمال جزء من الاحتياطي لتمويل السلع_لكن بعد رفع الدعم، حيث في حال إستنزافه هذا يعني إستنفاذ العملة الصعبة بسرعة.
يبدو أنّ أزمة الكهرباء هي المعضلة اللبنانية العصيّة على الحل، فاللبنانيون أصبحوا محترفين بالتلمّس في الظلام الذي رافقهم منذ أول وعيهم. وبظلّ “وجود عرقلات لبنانية” كما وصفها وزير الطاقة ريمون غجر، حتى مع بناء أحدث المعامل، لبنان سيبقى بلد الظلام.
محمد شمس الدين